حديث: السخي قريب من الله
الدرة اليتيمة في تخريج أحاديث التحفة الكريمة (32)
حديث: روى الترمذي: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا سعيد بن محمد الوراق، عن يحيى بن سعيد، عن الأعرج، عن أبي هريرة -رضى الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
"السخي قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى الله تعالى من عابد بخيل"[1].
قلت: هذا حديث ضعيف، لأن الحافظ ذكر في التقريب ضعف سعيد المذكور، ونقل في تهذيب التهذيب عن أئمة الحديث تضعيف سعيد المذكور، وعن الدارقطني أنه متروك، وشذ ابن حبان فذكره في الثقات، وهو متساهل، فلا يعول على توثيقه، والله ولي التوفيق.
[1] هذا الحديث مختلف فيه، وقد رُوي عن عدد من الصحابة:
حديث أبي هريرة:
رواه الترمذي (1961) وابن جرير في تهذيب الآثار (163 مسند عمر) والعقيلي (2/117) والخرائطي في مساوئ الأخلاق (372) وفي المكارم (308 المنتقى منه) وابن حبان في روضة العقلاء (235) وابن عدي (3/403) وأبوالشيخ في كتاب الثواب (كما في الجواهر المجموعة للسخاوي 3 وساق جل سنده ابن حجر في تسديد القوس، كما في حاشية الزمرلي على الفردوس 2/484) والإسماعيلي في المعجم (رقم 348) والبيهقي في الشعب (7/429 رقم 10852) والخطيب في البخلاء (36) والبغوي في التفسير (1/352) وإسماعيل التيمي الأصبهاني في الترغيب (551) وابن الجوزي في الموضوعات (2/180) والبندهي في شرح المقامات، والثعلبي في تفسيره (كما في المداوي 4/261) كلهم من طريق سعيد بن محمد الوراق، عن يحيى بن سعيد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعا به.
ورواه الفخر الغزال العرّافي (كما في مجمع الآداب لابن الفُوَطي 3/186) بسنده عن أبي هريرة.
وعزاه السخاوي في الجواهر المجموعة (3) للدارقطني في المستجاد من فعلات الأجواد، وسقط من كتاب الدارقطني المطبوع، وهذا الكتاب طُبع على مخطوط فيه خلل ظاهر، ولا سيما أوله.
ورواه البيهقي (10851) من طريق سعيد، ولكن زاد فيه أبا الزناد بين يحيى والأعرج.
قلت: سعيد هذا ضعيف، وقد تفرد بهذا السند الذهبي! وأُنكر عليه حديثه هذا:
فأنكره الإمام أحمد، كما في تاريخ بغداد (9/72)، ويأتي نصُّه ضمن الكلام على حديث عائشة.
وسأل ابن أبي حاتم في العلل (2/283 رقم 2353) أباه عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث منكر.
وقال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث يحيى بن سعيد عن الأعرج عن أبي هريرة إلا من حديث سعيد بن محمد، وقد خولف سعيد بن محمد في رواية هذا الحديث عن يحيى بن سعيد، إنما يُروى عن يحيى بن سعيد عن عائشة شيءٌ مرسل.
وقال العقيلي: ليس لهذا الحديث أصل من حديث يحيى ولا غيره.
وقال ابن حبان: إن كان حفظ سعيد بن محمد إسناد هذا الخبر فهو غريب غريب.
وقال ابن عدي في الموضع السابق: وهذا اختلف فيه على يحيى بن سعيد، وكل الاختلاف فيه عليه ليس بمحفوظ. وقال نحوه في مكان آخر (3/178).
وقال البيهقي: تفرد به سعيد بن محمد، وهو ضعيف.
وقال ابن الجوزي: المتهم به سعيد بن محمد الوراق.
وقال ابن الجوزي (2/184): قال الدارقطني: حديث الأعرج موضوع، رواه رجلان عن يحيى بن سعيد عن الأعرج، وهما عمرو بن جميع، وسعيد بن محمد الوراق، وهما ضعيفان.
• قلت: وروي حديث الأعرج عن أبي هريرة من وجه آخر:
فرواه ابن عدي (1/235) وابن شاهين في الترغيب (264) والدارقطني في الأجواد (6) والخطيب (1/253-254) والبيهقي في الشعب (7/435) وابن الجوزي في الموضوعات (2/182) والسيوطي في بغية الوعاة (2/403) من طريق محمد بن يحيى بن علي بن عبد الحميد، نا عبد العزيز بن عمران الزهري، عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ آخر، وأوله: "السخاء شجرة في الجنة".
قال العراقي في تخريج الإحياء (3294): فيه عبد العزيز بن عمران الزهري ضعيف جدا.
قلت: وابن أبي حبيبة ضعيف، وساق ابن عدي الحديث من مناكيره، ولكن يظهر أنه مناكير ابن عمران، والله أعلم.
وقال الألباني في الضعيفة (8/350): هذا إسناد ضعيف جدا. وخرّج فيه اللفظ المذكور.
حديث عائشة:
وله عنها أوجه، كلها اختلاف على يحيى بن سعيد.
فالوجه الأول:
رواه الطبراني في الأوسط (3/27 رقم 2363) -ومن طريقه السخاوي في الجواهر المجموعة (1)- عن إبراهيم بن محمد بن بكار بن الريان، عن أبيه، نا سعيد بن محمد الوراق، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن عائشة مرفوعا.
ورواه حميد بن زنجويه (كما قال البيهقي في الشعب 7/429) عن محمد بن بكار به.
ورواه ابن المهتدي -ومن طريقه معمر بن الفاخر في موجبات الجنة (209)- عن رجل [سقط اسمه] عن البغوي، نا محمد بن بكار به.
ورواه الخطيب في البخلاء (37) عن عمر بن محمد المؤدب، عن الدارقطني، عن البغوي، عن محمد بن بكار به سواء.
بينما رواه محمد بن عبدالباقي الأنصاري في المشيخة (2/659 رقم 168) وفي جزئه (كما في المداوي 4/263) عن الآبنوسي، عن الدارقطني به، ولكن سقط عنده: (عن أبيه) بين التيمي وعائشة، ولم أره في مشيخة الآبنوسي.
وكذلك رواه الضياء في المنتقى من مسموعاته بمرو.
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن يحيى عن محمد عن أبيه عن عائشة إلا سعيد بن محمد.
وقال الدارقطني في العلل (8/220): وغيره يرويه عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن عائشة مرسلا.
قلت: يعني ليس فيه (عن أبيه).
وقال ابن المهتدي: خالفه سعيد بن مسلمة، عن يحيى بن سعيد، واختلف على سعيد بن مسلمة أيضا.
قلت: فهذا اختلاف على سعيد الوراق الذي تقدمت روايته للحديث بسند آخر عن أبي هريرة! وعدّ الخطيب في البخلاء (36) هذه الرواية مخالفة من ابن الريان.
وقال البيهقي: غير محفوظ.
وقال الهيثمي في المجمع (3/127-128) عن هذه الطريق: فيه سعيد بن محمد الوراق، وهو ضعيف.
قلت وهذا الاختلاف من ضعفه، ورواه من وجه آخر، وهو الآتي.
الوجه الثاني:
قال المروذي في العلل (279 ورواه الخطيب 9/72 من طريقه): سئل أبوعبد الله -يعني الإمام أحمد- عن سعيد بن محمد الوراق، فقال: لم يكن بذاك، وقد حكوا عنه حديثا منكراً. قلت: أيش هو؟ قال: عن يحيى بن سعيد، عن عروة، عن عائشة. شيء في السخاء.
الوجه الثالث:
رواه ابن شاهين في الترغيب (265) وأبوالفضل الزهري في حديثه (706) والدارقطني في الأجواد (1 و4) وأبونعيم في أخبار أصبهان (1/243) والخطيب في البخلاء (37) ومعمر بن الفاخر في موجبات الجنة (213 و214) من طريق محمد بن جعفر بن المرزبان، نا خلف بن يحيى القاضي، نا عنبسة بن عبدالواحد، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة مرفوعا.
ورواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/181) من هذه الطريق، ولكن وقع عنده تصحيفات، منها: غريب بن عبد الواحد، بدل عنبسة، وقال: غريب مجهول.
ولذلك ذكره ابن حجر في اللسان (4/417) من مناكير غريب بن عبدالواحد، ونحوه السخاوي في المقاصد (557).
والصواب أنه عنبسة، -كما في رواية الجماعة؛ ومصادر ترجمته- وهو ثقة.
وهذا الحديث علّتُه خلف القاضي، فقد كذبه أبوحاتم.
وابن المرزبان ذكره أبونعيم في الموضع السابق من تاريخه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
وقد تقدم التنبيه على وجود خلل في مخطوطة كتاب الأجواد، فالحديث الأول منه هو لحديثنا هذا، لكن أُلصق به متن آخر، وتكرر فيه رقم (4) ولكن على الصواب.
رواه الخطيب في البخلاء (38) من طريق الحكم بن موسى، والحسن بن الجنيد، ومحمد بن غالب الأنطاكي، ثلاثتهم سعيد بن مسلمة، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن عائشة مرفوعا.
ورواه معمر بن الفاخر (210) من طريق الأنطاكي به.
ورواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/181) من طريق ابن الجنيد به.
ورواه البيهقي في الشعب (7/428 رقم 10850) من طريق محمد الصباح، نا سعيد به.
وأسند عن محمد بن الصباح رواية أخرى، وتأتي.
وخالف هؤلاء سهل بن عثمان العسكري، فزاد فيه (عن علقمة) بين التيمي وعائشة:
فرواه القشيري في الرسالة (2/502) -ومن طريقه أحمد بن المقرّب الكرخي في الأربعين (39)- من طريق سهل عن سعيد به.
ورواه الخطيب في البخلاء (37) من طريقه عن تليد بن سليمان عن يحيى به.
ورواه الدارقطني في الأجواد (3) والبيهقي في الشعب (7/428 رقم 10847) والخطيب (38) ومعمر بن الفاخر (211 و212) من طريقه عن تليد وسعيد به.
قال البيهقي: تليد وسعيد ضعيفان.
قلت: ويظهر أن متابعة تليد لا تصح، فرواية سهل شاذة.
وسعيد لم يذكروا من شيوخه يحيى بن سعيد، فأخشى أن يكون دخل عليه الحديث من سعد بن محمد الوراق راويه عن يحيى، وتقدمت روايته في الوجه الأول مثله.
على أن سعيد قد رُوي عنه وجوه أخر كما سيأتي! وهو متفق على ضعفه.
الوجه الخامس:
رواه ابن عدي (3/178) والخطيب في البخلاء (34) من طريق رواد بن الجراح، نا عبدالعزيز بن أبي حازم، عن يحيى بن سعيد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن عائشة مرفوعا، بلفظ: "السخي الجهول أحب إلى الله من العابد البخيل".
ورواه الديلمي في مسند الفردوس (كما في التعقبات على الموضوعات رقم 211 وهو في الفردوس 2/342 زغلول، و2/486 الزمرلي) من طريق ابن أبي حازم، والغالب أنه من رواية رواد عنه.
وهذا الحديث أورده ابن عدي في مناكير رواد، وقال: وهذا الحديث اختلف فيه على يحيى بن سعيد، وهذا لون منه، ورواه سعيد بن محمد الوراق عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن عائشة، وروي عن سعيد أيضا عن يحيى بن سعيد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل هذه الألوان ليست بمحفوظة.
وقال البيهقي في الشعب (7/429): إن هذا غير محفوظ.
قلت: رواد صدوق في الأصل، إلا أنه اختلط آخر عمره فتُرك، وفال البخاري: لا يكاد يقوم حديثه، ليس له كبير حديث قائم. وذكر غير واحد أن له مناكير، ويظهر أن هذا منها.
حديث جابر:
رواه الدارقطني في الأجواد (9 دون محل الشاهد) والبيهقي في الشعب (7/428 رقم 10848) من طريق العلاء بن عمرو الحنفي.
ورواه البيهقي (10849) من طريق محمد بن الصبّاح، قالا: نا سعيد بن مسلمة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر مرفوعا.
ثم رواه البيهقي (10850) بنفس الإسناد عن محمد بن الصبّاح، عن سعيد، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن عائشة مرفوعا!
والعلاء متروك، أما محمد بن الصبّاح فهو الجرجرائي الصدوق.
قال الدارقطني في العلل (3/107-108) ضمن كلامه عن حديث "اصنع المعروف إلى من هو أهله": ورواه سعيد بن مسلمة، واختلف عنه: فرواه العلاء بن عمرو الحنفي: عن سعيد بن مسلمة، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر. وقال غيره: عن سعيد، عن جعفر، عن أبيه، عن جده مرسلا. غريب عن جعفر.
قلت: الوجه الآخر عن ابن مسلمة هو ما رواه أبوبكر الشافعي في الغيلانيات (78) من طريق محمد بن جهضم.
ورواه الدارقطني (8) من طريق الأنطاكي والحسين بن الجنيد.
ورواه القضاعي في مسند الشهاب (747) من طريق هارون بن معروف.
ورواه أبوطاهر السلفي في المشيخة البغدادية (55/أ، كما في مسند علي لأوزبك 6/2562) من طريق يحيى بن عبد الحميد.
ورواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/182) من طريق الحسين بن الجنيد.
أربعتهم عن سعيد بن مسلمة، نا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده مرسلا بلفظ مغاير، أوله: "اصنع المعروف إلى من هو أهله".
ورواه ابن أبي الدنيا في اصطناع المعروف (216/2 كما في تخريج الأجواد 8) من طريق سعيد بن مسلمة به، ولكن وقع ضمن أسطر لم تظهر لمحقق مطبوعة اصطناع المعروف، كما ذكر في حاشيته (ص47).
قال العراقي في تخريج الإحياء (1871): ذكره الدارقطني في العلل، وهو ضعيف، ورواه القضاعي في مسند الشهاب من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرسلاً بسند ضعيف.
وروى الدارقطني في الأجواد (5) -ومن طريقه الخطيب في البخلاء (24)- من طريق محمد بن غالب الأنطاكي.
والخطيب في البخلاء (24) من طريق الحسن بن الجنيد.
والبيهقي في الشعب (7/434) من طريق محمد بن عبد الله الرقي، والحكم بن موسى.
قال أربعتهم: نا سعيد بن مسلمة، عن جعفر بن علي، عن أبيه، عن جده مرسلا بلفظ مغاير، وأوله: "السخاء شجرة من شجر الجنة".
ورواه الدارقطني في الأفراد (كما في تخريج أحاديث الإحياء 4/1912 رقم 3032) من طريق جعفر به.
ورواه الخطيب (23) من طريق أيوب بن محمد الوزان الرقي عن سعيد به، وزاد فيه: عن علي!
قال البيهقي (7/435): إسناده ضعيف.
قلت: ويظهر لي أن كل ما سبق حديث واحد اختُلف فيه، وهذا كله من الاختلاف على سعيد بن مسلمة الذي أشار له الحفاظ، وهو متفق على ضعفه، ورُويت له متابعة على وجه روايته الأخير:
فرواه الدارقطني (7) من طريق أبي الربيع الحارثي عبيد الله بن محمد، نا ابن أبي فديك، أخبرني جهم بن عثمان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده مرفوعا، بلفظ: "السخي قريب من الله".
ورواه ابن المقرئ في حديث نافع بن أبي نعيم (14) من طريق الحارثي به بلفظ: "اصنع المعروف إلى أهله".
والحارثي لم أهتد لترجمته، والجهم صاحب مناكير، وضعفه الأزدي والدارقطني، وقال عنه أبوحاتم في الجرح والتعديل (2/522) وفي العلل (2/208): مجهول.
ورواه بهذا اللفظ السلمي في آداب الصحبة (138) من طريق أحمد بن علي بن مهدي بن صدقة، عن أبيه، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن جده، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده مرفوعا.
وهذا حديث من نسخة موضوعة، وأحمد اتهمه الدارقطني بالوضع.
وذكر الدارقطني في العلل (3/107) أن محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمذاني الأزجي رواه عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي مرفوعا بلفظ: "اصنع المعروف إلى من هو أهله".
ومحمد بن الحسن هذا متفق على ضعفه، بل رُمي بالكذب، وقال الدارقطني (3/108): غريب عن جعفر.
وروى ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج (44) وفي اصطناع المعروف (101) من طريق إسماعيل بن عمرو البجلي، نا مندل بن علي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي مرفوعا: "يا علي كن سخياً، فإن الله يحب السخاء، وكن شجاعا، فإن الله يحب الشجاع، وكن غيورا، فإن الله يحب الغيور، وإن امرؤٌ سألك حاجة فاقضها، فإن لم يكن لها أهلا فكن أنت لها أهلا".
وهذا ضعيف جدا، فإسماعيل واه، ومندل ضعيف، والإسناد منقطع بين محمد الباقر وعلي رضي الله عنه.
ومن الاختلاف على جعفر الصادق ما رواه ابن المرزبان في كتاب المروءة (رقم 10) من طريق إبراهيم بن الفضل، قال: قال جعفر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تجاوزوا لذوي المروءة عن عثراتهم، فوالذي نفسي بيده إن أحدهم ليعثر، وإن يده لفي يد الله عز وجل".
قال الألباني في الصحيحة (2/238): هذا ضعيف جدا، فإنه مع إعضاله فيه إبراهيم بن الفضل: متروك.
قلت: وهو كما قال، وإنما أوردته ضمن الاختلاف في الحديث لما سيأتي قريبا من حديث ابن مسعود.
فلا يصح شيء مما سبق.
حديث علي، ومرسل علي بن الحسين:
تقدما ضمن الكلام على حديث جابر.
حديث أنس:
رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/180) من طريق محمد بن تميم الفاريابي، حدثنا قبيصة بن محمد، عن موسى بن عبيدة، عن يزيد الرقاشي، عن أنس مرفوعا ضمن حديث.
قال السخاوي في المقاصد الحسنة (557): إن إسناده ساقط، فيه محمد بن تميم، وهو وضاع.
قلت: والفاريابي ويزيد شديدا الضعف، وموسى ضعيف.
حديث ابن مسعود:
رواه البيهقي في الشعب (7/427 رقم 10843) من طريق محمد بن يونس الكديمي، نا عبد[الرحيم] بن حماد السندي، نا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ: "لا يذهب السخاء على الله، السخي قريب من الله، فإذا لقيه يوم القيامة أخذ بيده فأقاله عثرته".
قال البيهقي عقبه: هذا إسناد ضعيف، وقد رُوي من وجه آخر عن الأعمش عن إبراهيم عن ابن مسعود مرفوعا مرسلا في التجافي عن ذنب السخي، ذكرناه بعد هذا.
قوله مرفوعا مرسلا، يعني: مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومرسلا بين إبراهيم وابن مسعود.
والكديمي متهم، وقد خالف سائر الرواة عن السندي في متنه، وأغلبهم في سنده.
فرواه إسماعيل التيمي الأصبهاني في الترغيب (2/262 رقم 1548) من طريق ابن حماد، نا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ: "تجافوا عن ذنب السخي، فإن الله تعالى آخذ بيده كلما عثر".
ورواه البيهقي في الشعب (7/433 رقم 10867 وهو الموضع الذي أشار إليه في كلامه السابق) من طريق عبد الرحيم بن حماد الثقفي السندي، نا الأعمش، عن إبراهيم، أن ابن مسعود.. مرفوعا باللفظ السابق.
قال البيهقي: هكذا جاء منقطعا بين إبراهيم وابن مسعود، وقيل: عبد الرحيم بن حماد، عن الأعمش، عن أبي وائل، مرفوعا.
ثم رواه (10868) من هذا الوجه عن أبي وائل، وقال: هذا إسناد مجهول ضعيف، وعبد الرحيم ينفرد به، واختلف عليه في إسناده.
ورواه من هذا الوجه أبونعيم في الحلية (4/108) وقال: غريب من حديث الأعمش، لم نكتبه إلا من هذا الوجه.
ورواه الدارقطني في الأفراد (4/165 أطرافه، وأُلحق في متن الأجواد رقم 27 وليس في مخطوطه!) -ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (2/185)- بالوجهين معا بالشك، وقال: تفرد به عبدالرحيم بن حماد عن الأعمش، عن إبراهيم أو عن أبي وائل. بالشك كان.
وهذا علّته السندي؛ فإنه يروي عن الأعمش المناكير وما لا أصل له كما قال العقيلي (3/81)، وهذا الحديث منها.
وعدّه ابن الجوزي والصغاني (110) من الموضوعات.
وصدره المنذري في الترغيب (3/260) بلفظة رُوي المشعرة بالتضعيف عنده، وزاد عزوه لابن أبي الدنيا.
وقال الذهبي في تلخيص الموضوعات (485): إن السندي مجروح ذو مناكير.
وللحديث -بنحو لفظه الأخير- طريق أخرى للأعمش، وهي اختلاف عليه:
رواها الطبراني في الأوسط (2/46) -وعنه أبونعيم في الحلية (5/59)- عن أحمد بن عبيد الله بن جرير بن جبلة، عن أبيه، عن بشر بن عبيد الله الدارسي، ثنا محمد بن حميد العتكي، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود مرفوعا.
ونص الطبراني على تفرد بشر به.
قلت: وهو آفته، فقد كذّبه الأزدي، وقال ابن عدي: منكر الحديث عن الأئمة، بيّن الضعف جدا، وساق له الذهبي موضوعات، بينما ذكره ابن حبان في الثقات! انظر اللسان (2/26).
ومحمد بن حميد العتكي لم أر له ذكرا في غير هذا الحديث، وليس بالرازي، فذاك متأخر الطبقة عن هذا.
وشيخ الطبراني ذكره الخطيب (4/251) باقتضاب شديد، ولم يذكر في حاله شيئا، ووثق أباه (10/325).
فالإسناد ضعيف جدا، إن لم يكن موضوعا.
وقال العراقي في تخريج الإحياء (3296) وابن حجر في التلخيص الحبير (4/80): إسناده ضعيف.
وأعله الهيثمي في مجمع الزوائد (6/282) بضعف بشر.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2390) والصحيحة (2/236).
أما أحمد الغماري في المداوي (3/259) فقد زعم أن هذه المخالفة متابعة للسندي بنفس سند ابن الجوزي! وشنّع بذلك غاية التشنيع على المُناوي في نحو صفحتين، مع أن كلام المناوي في هذا الحديث هو عين الصواب! وهذه الطريق - لو صحّ أنها متابعة - لا ترفع من ذلك الإسناد شيئا لوهائها.
حديث ابن عباس:
رواه تمام في فوائده (1275 الروض) -ومن طريقه يوسف بن عبد الهادي في مراقي الجنان (26)- من طريق محمد بن زكريا الغلابي، نا العباس بن بكار، نا محمد بن زياد، عن ميمون بن مهران، عن ابن عباس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "شاب سفيه سخي أحب إلى الله عز وجل من شيخ بخيل عابد، إن السخي قريب من الله عز وجل، قريب من الجنة، بعيد من النار، وإن البخيل بعيد من الله عز وجل، بعيد من الجنة، قريب من النار".
وهذا موضوع، فالغلابي اتهمه الدارقطني، والعباس متروك، وقد كُذّب، وابن زياد هو اليشكري، وهو كذاب يضع الحديث.
ورواه الحاكم في تاريخه -ومن طريقه الديلمي (عن زهر الفردوس 2/ق234 كما في الروض البسام 4/48)- عن إبراهيم بن محمد بن سفيان وجادة، ثني الحسين بن عمر، وثني أحمد بن حرب، ثنا ابن أبي فديك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن صفوان بن سليم، عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: "شاب سخي حسن الحلق أحبُّ إلى الله من شيخ بخيل عابد سيء الخلق".
وهذا غريب جدا، وعبد الله بن محمد بن أبي بكر الثقفي لم أجد فيه جرحا ولا تعديلا، فالظاهر أنه علته.
وقال الألباني في الضعيفة (646): موضوع.
خلاصة الكلام على الأحاديث:
تبيّن أن الحديث منكر عن أبي هريرة -أشهر مخارج الحديث-، واختُلف فيه عن عائشة، وعن جابر، وعن علي بن الحسين، أو جده علي، من أوجه كلها ضعيفة منكرة أيضا، وبعضها موضوعات، وروي عن أنس، وابن مسعود، وابن عباس، وهي موضوعات.
ولذلك صرّح الحفاظ بأن الحديث لا يثبت فيه شيء.
فتقدم حكم الإمامين أحمد وأبي حاتم أن الحديث منكر، واستغراب الترمذي له.
وقال العقيلي (2/117): ليس لهذا الحديث أصل من حديث يحيى ولا غيره.
وقال ابن عدي (3/403): وهذا اختلف فيه على يحيى بن سعيد، وكل الاختلاف فيه عليه ليس بمحفوظ. وقال نحوه في مكان آخر (3/178).
وقال البيهقي في الشعب (7/429) بعد سرد طرقه: وكل ذلك غير محفوظ.
وذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وقال (2/181): هذا حديث لا يصح.
ونقل عن الدارقطني قوله: لهذا الحديث طرق لا يثبت منها شيء بوجه.
ونقل كلام الدارقطني محتجًّا به: ابن الجوزي، والبدر الموصلي في المغني عن الحفظ والكتاب (48)، وابن القيم في المنار المنيف (284)، وغيرهما.
ولكن تعقبه السخاوي في المقاصد (557): قال شيخنا [يعني ابن حجر]: ولا يلزم من هذه العبارة أن يكون موضوعا، فالثابت يشمل الصحيح، والضعيف دونه، وهذا ضعيف، فالحكم ليس بجيد عليه [يعني بالوضع]، كما بسطته في موضع آخر.
وقال أحمد الغماري في المداوي (4/262): إن ما قاله الترمذي والعقيلي مردود!
قلت: وبتأمل كلامه يظهر أنه لم يفهم مراد كلامهما على وجهه، وأخطأ أخطاء مركبة في الرد عليهما، من ذلك عدّه للمخالفة متابعة!
وقال التاج علي بن عبد الله التبريزي في المعيار (2/56): ولهذا الحديث ذكروا طرقاً، ولم يصح منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وضعّف الألباني جميع طرقه في الضعيفة (154)، وحكم بأنه ضعيف جدا، وهو كما قال، والله أعلم.
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز ) للمساعدة في تخصيص المحتوى وتخصيص تجربتك والحفاظ على تسجيل دخولك إذا قمت بالتسجيل.
من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.